أكتب التالي وما زالت شعيراتي الدموية متضخمة من دفق الدم فيها بعد
حفل فرقة اسكندريلا
المصرية (فرقة الشارع) في دارة الفنون في عمّان. أريد أن أدوّن وأنا ما زلت محمولاً
على غمامة الحلم؛ قبل أن أستيقظ منه فأحاول استرجاعه في الصباح التالي دون جدوى، أو
لأستذكره مشوشاً مشوهاً وأملأ فراغاته بفلسفاتي.
أن تتعرف على شخص ما عن بعد ثم تلاقيه شيء جميل، الأكثر جمالاً هو
عندما تستنظر ما أنت على وشك أن ترى منه فيتجاوز
المتوقّع ويصدمك بتواضعه وكياسته، وأكثر من ذلك، عبقريته وإحساسه اللذان يتخطيان
الدين والجنس والجنسية ليكون المحرّك والدافع الأوحد لكل كلمة محكيّة أو مغنّاة
وكل نوتة معزوفة هو الإنسان ونضاله وشوقه للحرية واحترامه للتضحية والشهيد ...
الشهيد الذي كلّما غاب عن بالنا عاد وألقى تحية ملحّنة بعد أغنية، أو بعد بعد
أغنية. شهيد فلسطين، وشهيد مصر، وكل شهيد روى دمه الأسفلت من أجل الوطن، في الوطن، كان حاضراً بحناجر انفلتت أوتارها سوطاً لاذعاً لكل متخاذل.
لا أذكر كم مرة هممت بالوقوف لتحية الفرقة بعد أن أنهت أداء أغنية أو
وصلة موسيقية شرقيّة أو مقطوعة صوفيّة أو بعد أن ألقى شاعرها ملحمة عامّية، لكنّي أجزم أن شعر جسدي ناب عن
قدميَّ بتحيّة وقوف متواصلة لأكثر من ساعة، فالذي رأيناه لم يكن مجرد كلمات مغناة
على لحن معزوف فحسب، بل عرضاً فنياً متكاملاً صادقاً بكل تفصيلاته، حتى الشاعر
الذي نسي أبيات شعره في غمرة انفعاله وتصفيق الجمهور المضياف.
اسكندريلا هي صوت من أصوات ثورة مصر النقيّة، الأهم من فنها هو
الرابط الذي كوّنته معاني أغانيها وروحها بالشباب العربي، هذا التواصل الذي لم
توجد حالة مشابهة له قبل ثورتي تونس و 25 يناير؛ تواصل الشباب العربي المبني على
وحدة الفكرة والهدف، هذا التواصل هو الذي أنجح الحفل وملأ مقاعد الساحة قبل 45
دقيقة، وهو الكفيل بإنجاح ليلة أخرى أيقِن أنها لن تنسى على مدرّجات جرش في تمّوز!
شكراً للحنونة ودارة الفنون على هذه الاستضافة.
نراكم في جرش.