Mar 26, 2011

من تحت الجسر - دوار الداخلية 25 آذار

Poster by Hassan N Al Teibi

لما وصلت دوار الداخلية مع صديقي المصوّر عامر، استوقفنا رجال الشرطة وشباب مسيرة الولاء اللي واقفين معهم: "إنتا إيش؟" ... ما فهمتش السؤال! بعد أخذ ورد وبعد ما بلّشو شباب الولاء يغنّولنا "يا ويلو اللي يعادينا" اكتشفت بمساعدة الصديقة الصحفية لينا إنو لازم أدخل من الجهة الثانية ببساطة... وهكذا حصل، قال جهة ممنوع تفوت منها، الجهة الثانية مسموح!!! المهم وصلت الدوار وكانت الأجواء رائعة! اللي برقص واللي بدبك واللي بيهتف، والناس مبسوطة... بعدين اضطريت أشلّف من أول حجر! الشرطة اللي كانت بين المعتصمين و"شباب الموالاة" –اللي ما رح أسميهم بلطجية، لإنهم حمّلو الله جميلة إنهم "موالاين"، طيب خلّي النظام يفرح فيكم وبأخلاقكم وبتصرفاتكم- الشرطة اللي كانت بينّا وبينهم كانو يتفرجون عليهم وهم يسبّون ويشتمون ويلقون بالحجارة! مش بس هيك، كانت الشرطة تهرب لجهتهم عند ازدياد رمي الحجارة! كانو يتركون المتظاهرين لخيامهم وحواجزهم الارتجالية لمنع الحجارة من الوصول إلى داخل الدوار، كان رمي الحجارة من جهة دوار الداخلية فقط... ثم بدأ "القصف" من جهتين: من جهة المدخل المؤدي إلى المركز الثقافي الملكي، ومن الجهة المقابلة "جهة الدوّار". كان تجمّع الخيام، النساء والفتيات والمستشفى الميداني تحت الجسر، وكانت أكثر منطقة آمنة كونه يستحيل وصول الحجارة والزجاجات إليها، أمّا الشتائم فهي –بالصلاة عالنبي ، كوني إسلامي على ذمة رئيس الوزراء- فهي شتائم عابر للقارات اللهم لا حسد. ازداد رمي الحجارة من الجهتين، والشرطة التي تقف على جميع المداخل وعلى الجسر (فوقنا) مكتوفة الأيدي لا تفعل شيئاً، حتى هذه اللحظة لم يتم رمي أي حجر من جهة المعتصمين، لكن بعد ازدياد رمي الحجارة وخاصة بعد صعود الشباب الموالين للعمارة التي تلاصق مبنى وكالة بترا (اللي كان المفروض إنها مسكرة بعد ما حاولت فتاة الانتحار من فوقها) وبعد أن صارت الحجارة تُرمى من 3 محاور قام البعض بالرد برمي الحجارة، لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وكان الجميع يصرخ بهم "لا ترمو لا ترمو" وبالمناسبة معظمهم كانو شباب مراهقين (صغار)، على رأي واحد فيهم وأنا بحاول أقنعه ليش مش لازم يرمي حجار سألني (يعني هم يرمو علينا واحنا لأ؟)، قلت له: آه! ما اقتنع... بعد دقائق قليلة صار في رمي حجارة من فوق الجسر أيضاً! اللي كان مفروض في شرطة على طوله!!!!!! صار من اليمين واليسار ومن العمارة ومن فوق الجسر... عندها أنا توجهت لتحت الجسر كونه الملاذ الأخير من وابل الحجارة وعندها كتبت –أعتقد- آخر رسالتين على تويتر قبل ما يصير يوم الحشر وموبايلي ينتقع بالمي:


وكأنه وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن العام كان يتابعني على تويتر ولبّالي طلبي على  الفور... فجأة وجدنا الشرطة وقوات الدرك تركض باتجاهنا ومعهم حواجز حديدية، طلبو منّا التجمع والبقاء تحت الجسر، وهكذا فعلنا، وضعونا تحت الجسر ووضعو الحواجز أمامنا، عندما نظرت باتجاه الدوار، تفاجأت بأنه بالتزامن مع تقدم قوات الدرك والأمن كانت تتقدم جحافل الموالين أيضاً، كسّروا السيارة التي كانت تحمل على ظهرها مكبرات الصوت، ورقصوا فوقها ولم ينسوا السباب والشتائم والحركات البذيئة... كان الحديث تحت الجسر بين المحشورين أن رجال الأمن سيفضون الاعتصام بأن "يحافظوا علينا" تحت الجسر، يتخلصوا من رماة الحجارة في العمارة المقابلة والمداخل المختلفة، ثم سيتركونا نذهب لحال سبيلنا، الكل كان هادئاً لإننا اعتقدنا بكل سذاجة أن الأمن سيتابع التصرف بالطريقة التي كان يتصرف بها خلال الفترة الماضية، أي نعم لن يقبض على أي بلطجي لكنه سيمنع الاعتداء علينا (خلال تفكيرنا الساذج هذا، هذا ما كان يحصل مع من لم يكن تحت الجسر)


... المفاجآت بدأت عندما جاءت سيارة رش المياه خلفنا... كان "الرّش" عالخفيف بالأوّل.. كان بجانبي فتاة تسألني "طب ليش برشونا... أنا أمي تعبانة أمي تعبانة" وانا الأهبل بحكيلها "برشو عالبلطجية اللي فوق .. شوفي..) طبعاً بعدين بس شفت اللقطات عالتلفزيون فهمت ليش الرش ما كان قوي بالأول، طبعاً هاي اللقطة المعروضة على التلفزيون الأردني، لما كانت السيارة ترش على حافة الجسر.. بعد دقائق قليلة بدأ رش المياه علينا مباشرة!! مياه قوية ومن مسافه قريبة جداً (وهي اللقطات التي تشاهدونها على قناة الجزيرة) وكانت باااااااااااااااااااااااااااااااااردة. حنى الجميع رأسه وظهره للمياه ومحدّش فاهم ليش برشو علينا! طيب سؤال خطرلي: برشو علينا من ورا، ومانعينّا نتحرك للأمام! شو الفكرة بالضبط؟ وبالمناسبة رمي الحجارة ما توقف من العمارة المقابلة، أنا شفت حجر جاييني مباشرة نزّلت راسي وابصر بمين خبط!!! بعد فترة (الله يعلم كم) من رش الماء، انتبهت إنو موبايلي صار لازم يفوت على جيبتي، خلص فش موبايل بح! في هاي اللحظة كنّا منقوعين بالمي من فوق لتحت! نقع بمعنا الكلمة! وما حدّش فاهم شو بدهم منّا! فجأة صرخ أحدهم "يالله عالشارع عالشارع"...بدأ الجميع بالهروب للشارع..طبعاً ما في مجال تتحرك بحريّة، زي ما هالأمّة بتمشي بدك تمشي مع "التيّار" .. أمواج الناس اللي وراك وقدامك، هون عاد الزلمة اللي أمامي تعثر ووقع! وأنا مع الدفع اللي من خلفي وقعت! ووقع كمشة بني آدمين على قدمي اليسرى وعلّقت... أمامي في رجال شرطة ودرك حاملين قنوات بقولولي "تحرّك"، خلفي أكوام ناس نايمة على قدمي، من يساري خرطوم الماء يرش علي مباشرة (كونه ما في أي شخص أو أي حاجز بيني وبين الماء... رش مباشرة بخلقتي!) وعلى يميني الناس بتتحرك كل واحد بدو ينفذ بجلده... في تلك اللحظة خطر ببالي أخبار الناس اللي بتموت دعس بالحج! حكيت لحالي إنو أهمّ إشي إني أخلي ظهري مرفوع للأعلى.. إذا الدفع بخليني انبطح عالأرض رح "أروح دعس"! حاولت أسحب رجلي بدون جدوى... الماء ما يزال في وجهي من الجهة اليسرى، لفّيت وجهي إلى الشرطة الأمامي وعيني الشمال مغمضة من قوة الماء، مديت يدي لهم وصرّخت لمّا شبعت "إسحبوني إسحبوني إسحبوني"... خطر ببالي 10490583409580439583409583049583049853049583 فكرة.. خطر ببالي إنو إذا قدرت أنظر لواحد منهم بعيونه وأنا مادد إيدي وبترجاه يسحبني رح يجي ويسحبني، جرّبت الخطة مع 3 منهم.. عالفاضي، 2 عملو حالهم مش سامعين ولا شايفين (مع إنه ما في إشي بيني وبينهم، ولا حتّى الماء)، والثالث (أكثرهم إنسانية) صرّخ علي: "تحرّك تحرّك"... حسيت حالي لحالي... صدقاً ما توقعت الشرطة تكون قاسية لهالدرجة.. نهائياً
بقدرة قادر بعد ما ضليت أحاول أخلّص قدمي فلتت، نطّيت للأمام (كوني كنت بسحب رجلي بكل ما تبقّى في من قوة) لقيت حالي قدام شرطي، أكلت أوّل قنوة، ودعوني أستغل هذه المناسبة بإني أشكره إنو ما شمطني على راسي، كرم أخلاق لن أنساه ما حييت، ركضت باتجاه الشارع (باتجاه المركز الثقافي) لقيت شرطي جاييني بعصاي خشب، حوّلت للجهة الثانية (باتجاه شارع الاستقلال) لقيت شب بزي مدني وأغلب الظن أنه من جماعة الموالاة بعصاي خشب ومعاه شرطي راكضين باتجاهي وبلوّحو بالعصي، حاولت أهرب لكنّي تزحلقت وأخذت نص الشارع سباحة على صدري، قمت وتعثرت مرة أخرى وأذكر إنو الوقعة الثانية خلّتني في حالة من عدم التصديق والذهول، إنو قاعد بصير فيي هيك بالأردن... قمت ومشيت بلصق السور، حيث استقبلنا رجال الشرطة وشباب الموالاة البلطجية وكانو يضربو الكل عن جنب وطرف وسألني واحد منهم "بدك إصلاحات دستورية يا أخو الـ ......" وهو بلوّح بالعصاي.. وصلت درج "بترا"، الشب اللي جمبي أكل رفسة بظهره من شرطي وكرفت الدرج كرفتة.. أنا ما كنت مصدق اللي شايفو! وهمّي إني أطلع من هون قطعة وحدة! مشيت مع هالعالم وأنا بلاهث، ومبلول حتى العظم بعد "الشَوَر" اللي أخذتو وأنا رجلي معلّقة، والأوجاع بصدري وبرجلي وبركبتي وكتفي ... في الشوارع الفرعية كانو سيارات اللي واضح إنها جاية من احتفال حدائق الحسين "تلز" علينا.. اللي يقلّك نعيماً... اللي يزمرّلك... في سيارة ضلّت وراي تسرع وتعبّي بنزين وتبطئ لحد ما لقيت ناس فايتين على عمارة بعرفش شو حكولي أنا ما صدقت و فتت معهم عالعمارة كأني بعرفهم! استنيت السيارة تروح ورجعت طلعت والجماعة لسا بحكو معاي وأنا لحد الآن ما عندي فكرة شو كانو يحكولي.. كنت بس بدي أروّح! بالآخر وقفت سيارة خاصة بعد ما فقدت الأمل إنو أي سيارة فيها عائلة توقفلي.. أشرت لشب كان يمشي بطيء ويتطلع عالناس (قريب من وزارة الداخلية والمركز الثقافي) وصلني لدوار المدينة ومن هناك أخذت تكسي...
مسك الختام كان الراديو بالتكسي، كان على برنامج يتلقى اتصالات تؤكد ولاءها وتشتم بل وبعضهم ألقى شعر شرح فيه كيف إنو المعتصمين في الداخلية خونة وأنذال وحقيرين.. لا تعليق...

بالنسبة للتصريحات الرسمية: نصفها غير دقيق وكاذب، إحنا ما سبينا على حدا، ولا اعتدينا على حدا.. وما تمشكلنا بينّا وبين بعض زي ما حكا التلفزيون الأردني. ولا ضربنا شرطة.. بعدين الأربعة وخمسين شرطي المصابين (مفروض) كيف بالله انصابو؟ إذا الشرطة كانت تهرب من حجارة الموالين، كيف انصاب منهم أربعة وخمسين؟ بعدين حتى لو انصاب هالعدد، كيف بدو يكون المعتصمين أصابوهم؟ بالعقل بس حد يجاوبني كيف؟ والشرطة والأمن اللي ما سيطرو عالوضع ما سيطرو لإنهم ما بدهم يتدخلو! لو تدخلو من الأول ومنعو رمي الحجارة كان ما صار إشي! بعدين السؤال اللي مأرقني، شو المنطق اللي بحكي إنو أحشر المعتصمين السلميين اللي بينهم نساء، رشهم بالماء، بعدين أطلقهم وانزل فيهم ضرب إنتا يا رجل الأمن والبلطجية الموالين؟ واللي بجلطك إنو بجيك واحد على تويتر بقلّك الرواية الرسميّة صحيحة... وهو كان هناك وشاف بعينه :) ... واللي بجلطك أكثر رجال الأمن اللي بهالفيديو بعد "تحرير" دوار الداخلية...يا أخي شو هالأخلاق العالية؟


http://naserz.blogspot.com