من يوم ما سمعت عن فيلم ذيب وأنا
خفّان عقلي.. وفي كثير ناس الليلة رح يحضروا الفيلم بعد ما سمعو عنه كثير وأكيد في
جزء منهم خفّان عقله يطلع "مش بزيادة" أو على مستوى توقعاتهم..
أنا كان خفّان عقلي تحديداً بسبب
عدد الجوائز اللي أخذها الفيلم، لإنه مع الأسف، صار أقل من عادي إنك تسمع عن فيلم
أردني أو فلسطيني أو من المنطقة بشكل عام لمّ نص جوائز مهرجان الأفلام التقليدية
والمستقلّة ولمّا يرجع عنّا "عالدار" بطلع فِشِنك.. هاي الأفلام بالنسبة
إلى زي كإنه أنا اللي ما إلي بالطبيخ مثلاً، أروح أشارك بمسابقات أكل عالمية من
حول العالم، وأطعمي الأجانب مقلوبتي، طبعاً رح تكون "واو" وتستحق
التقدير، لإنها "إيكزوتيك" وبهاراتها غريبة، وعالأغلب رح أقدم هالمقلوبة
بصحون تتماشى وإيتيكيت المطبخ العالمي مع شوكة وسكينة، ما رح أحطها بصينية كبيرة
ستانلس وأحطلهم المعالق على طرافها مع صحنين لبن وسلطة وأقلهم "مدوا إديكو يا
جماعة". غير هيك، لإني جاي من المنطقة المشحتفة هاي، عالأغلب إذا طلع الرز نص
استوى بمشي الحال، بقولّك "منيح منّه".. حرام فش عندهم غاز، هيهم بدهم
يضطروا يا حرام يشتروا غاز مسروق عشان يسلّكوا أمورهم، وإذا كان الملح طالع نازل،
برضه بمشّولك اياها، يعني بالنهاية الجماعة لسبب أو لآخر ممكن يروّحوني وأنا معاي
جائزة المعلقة الذهبية لسنة 2015، جائزة اللجنة الخاصة للمطبخ القوقازي، وسبيشل
منشن في ماي كتشن رولز! أنا بصدق حالي طبعاً، وبرجع بعمل مقلوبتي الحائزة على
جوائز في أول عزومة للعيلة وقرايبي، وبالنهاية مرت عمّي يعني شو بدها غير مصلحتي؟
فبتروح بتدعمني، وبتسلخ صدر المقلوبة صورة وبتنزلها عالفيس يا كبير وبتبلّش تعملّي
دعاية إنها أزكى مقلوبة بالتاريخ، وفيها حبشتكنات جديدة تستحق التأمّل وهيك، ومرت
أخو جارتنا برضه بتحكي للكل عنّي، شب معدّل وبطبخ وهيك، مجاملة وتهليس طبعاً، نوع
من سداد الدين المعنوي.. بس دائماً في قزعوط صغير بجوز بفهمش طريقة عمل المقلوبة
والحبشتكنات الميتافيزيقية التي تستحق النظرة المتعمّقة، بس بفهم طعم المقلوبة،
وهاظ انا.. قد ما الواحد انسم بدنه من أفلام عربية، كنت خايف يكون "ذيب"
كمان طبخة مقلوبة نص كم.. لكن ذيب طلع زَرب! زرب مرتّب.. مستوي على أقل من راحته.
بعرفش كيف قدر ناجي أبو نوّار ما
ينعجق زيادة ويحمّل الفيلم رسالة سياسية معيّنة ويخليها محور الفيلم، ولا حمّل الفيلم
رسالة اجتماعية قد العالم برضه، جد بعرفش كيف قدر يكتب قصة فيها كل شي وبنفس الوقت
ما فيها هالستيتمنتس اللي الأفلام بتحب تحملها وتكون أكبر من الفيلم نفسه والكوكب،
هيك قصة بسيطة عن ولد صغير عايش في مجتمع بدوي شفناه وسمعناه بطريقة مختلفة عن كل
المسلسلات البدوية اللي حضرناها، طبعاً القصة على بساطتها إلاّ إنه تفاصيلها فيها
كل ما يجعل القصة متكاملة وممتعة، وفيها معاني ومجازيّات من هون لبكرة، كل ما أصفن
شوي وأتذكر الفيلم بنتبه للقطة معيّنة أو جملة معيّنة وبرجع بشوفها بمنظور جديد؛
الشِعر اللي في بداية الفيلم مثلاً.. ركّز فيه.. ركّز عالجمال وشو بتعمل وشو بتعملش
وكيف ووين بتمشي .. مثلاً.
أمّا الإخراج والصورة.. فما أدراك
ما الإخراج والصورة.. جد هذا الزلمة ناجي أبو نوار عراسي، أنا بعرفوش واتمنيت
ألقطه بعد العرض عشان أهنّيه.. بتعرف كيف فيلم The Fall في صورة بتضل براسك لوقت
طوييييييييييييييل بعد ما تحضر الفيلم؟ ذيب نفس الإشي.. وقفه بأي لقطة عشوائية،
إعمل سكرينشوت، إطبع بوستر، علّقها بالدار.. الصورة خرافية، كل لقطة كمان ماخذه
وقتها، فش إشي بالفيلم مشلفق.. كل شي ماخذ وقته، الصورة ماخذه وقتها.. الجملة
ماخذه وقتها.. ردة الفعل على وجه الممثل ماخذه وقتها.. ولما تخلص ردة الفعل برضه
بتاخذ وقتها.. الموسيقى طالعة من بين الجبال اللي بالصورة بتحسها.. ومش مستخدمة
زيادة عن اللزوم نهائياً.. ومن أكثر الأشياء اللي انبسطت عليها مع إيقاع الفيلم
اللي ماخذ وقته.. إنه الصمت بالفيلم ماخذ وقته... فيلم عربي يا بني ادمين، فيلم
أردني، يستخدم فيه الصمت بكل ذكاء!
وزَي ما القصة بسيطة بس مش فارغة، الإيقاع ماخذ
وقته بس مش ممل، وفي آكشن (بالقصة وبالإخراج الجميل جداً) ومغامرة واللي بدك
اياه... لا في إشي زايد عن حده، ولا في إشي مش ماخذ حقه.. كومبينيشن صعبة، بس يمكن
تكون السر بإنه "ذيب" في المستقبل يتم اعتباره أحد كلاسيكيات
"أفلام الجنوب الأردني" أو "أفلام الصحرا الأردنيّة" اللي هو
بدأها.
روحوا إحضروا ذيب وادفعوا حق
التذكرة لإنه أولاً وأخيراً فيلم بيستاهل وقتكم ومصاريكم، ولإنه كمان فيلم منّا
وفينا وحقه علينا ندعمه لإنه فيلم محترم وبحترمك كمشاهد، وروح إحضره كمان لإنه
جاسر –بطل الفيلم- ابن قرية الشاكرية في وادي رم اللي رجع لحياته الطبيعية بعد
جولة حول العالم، كل العالم وقفله وزقّفله وأقل إشي بيستاهله منّك إنك تعمل نفس
الإشي (إذا عجبك الفيلم!).