تعجبني -عادة- أشياء لا تعجب العديد من الناس ، غير شعبية أو محبوبة ، بشكل عام أجدني دائما أنظر إلى "المضطهدين" إن صح التعبير بنظرة تعاطف ،و لا أستمتع بالجلد الجماعي الذي يحلو لنا ممارسته عندما يتفق الرأي السائد أن هذا أو ذاك جدير بالاستهزاء و التحقير ، و في كثير من الأوقات أستمتع بلعب دور محامي الشيطان لاستفزاز الآخرين و حملهم على الغليان و\أو النقاش . فمثلا ، أنا مقتنع أن "مصطفى كامل" إنسان مبدع - على طريقته الخاصة!- و يحيّرني أن "شوفير الباص" الذي يبحث عن فيروز في محطات الراديو صباحا يصر على أن يسمع و يُسمع الركّاب أغاني مصطفى كامل بقية النهار . شو جاب مصطفى كامل لحديث الذبابة و الحمار مش عارف ، ما علينا
الحمار ، بروليتاريا الحيوانات كما وصفه أحدهم ، أجده حيوان لطيف ! شكله من بعيد يصلح برأيي لأن يُصنع على شاكلته ألعاب محشوة بدلا من ألألعاب المحشوة على شكل الدببة الرائجة (التي لم و لن نراها يوما في منطقتنا) ، أو الكلاب (التي نقرفها و نقطع صلاتنا لطردها -إن كانت سوداء فقط!) الخ ... صوته مزعج نعم ، لكنّي لو كنت حمارا - و أحسبني واحدا - لانتقمت من بني آدم بأبشع من هذا النهيق ! يضربونه ، ينعتون الأحمق بينهم باسمه ، لا يعطوه أجره ، ينبذونه ، ينسون خدماته الجمّة التي قدمها و ما زال في بعض الأماكن و لا يكنّون له عٌشر الاحترام الذي يكنّونه لابن عمّه الحصان ، يضربون به كل الأمثال الدالّة على الحمق و التبعية ، مثل العصا و الجزرة و الحمار ،التكرار يعلم الحمار ، حتّى العناية الإلهية لم تقل في الحمار كلمة خير ؛ "...كمثل الحمار يحمل أسفارا..." ، "... إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ..." ، و رغم ذلك ، يبقى الحمار خدوما مطواعا ، يتفهم حاجتنا لممارسة السخط و الاستهزاء و الاضطهاد ، يطأطئ أذنيه ،و يمشي في طريقه . تأتي ذبابة من بعيد ، ترقد على ظهرة ، تنتقل إلى رقبته ، تقفز إلى داخل إذنه و تطنّ له اسمها ، يهز رأسه طاردا إيّاها ، تجلس في عينه يحاول قتلها بجفنه فتهرب ،و تعود تطنّ في أذنه الأخرى ، يطردها ،فتعود ، إلى أن يستسلم لها و يصادقها عنوة ، تعود لتجلس على ظهرة فيضرب بذيله طالبا الحديث إليها فتأتي ، يتحادثان قليلا و تعود لتستريح ، تأتي ذبابة أخرى تجلس في عينه ،فتشرّع الأولى أجنحتها دفاعا عن صديقها و حاملها ، فيبتسم الحمار أخيرا . ثم قبل أن يصل الحمار محطته الأخيرة لينزل حمله و يستريح ، تستأذن الذبابة بالرحيل خوفا من الإحراج لمصادقتها حمارا ، تعتذر له و تهاجم عيناه الاثنتان على مرأى من حيوانات الحظيرة جمعاء ، فيسيل الدمع لينظف ما تركت من آثار ، يصفق جمهور الذباب للذبابة المحنّكة و يهنئونها ، ثم يتغنّون برواياتها عن رحلتها على ظهر الحمار و في عينيه ، يضرب الحمار طريقا جديدة في الأرض بعيدا عن الذبابة و حاشيتها ، يفكّر في الذنب الذي ارتكبه طوال اليوم فلا يجد ، ينام واقفا تحت شجرة وادعة ، يحلم أنّه ذبابة ، تجلس على ظهر حمار ،تسامره حتى نهاية المشوار ،ثم تهاجم عينيه حتى تدمعا دما ، يستيقظ على صوت صاحبه يلكزه "سر يا حمار" فيعلم ذنبه ؛ قدره أنّه حمار .