الفيلم الأردني القصير 6 دقائق هو أحد تلك
الأفلام التي تبقى في ذاكرتك متى شاهدته مرة واحدة، قام فيه المخرج الأردني يحيى
العبدالله بطرح مجموعة من الأسئلة على عدد كبير من الشباب، كانت الإجابات مضحكة
مبكية، وكان الفيلم قد استند إلى دراسة تقول أن الفرد العربي يقرأ ما مجموعه 6
دقائق خلال العام.. خرجت بعدها العديد من الدراسات لتفنّد ذاك الاستنتاج، ولكن
البارحة شهدنا في عمّان تظاهرة هي الأولى من نوعها لم تترك لهذا الادعاء أي مجال
للإثبات. عزيزي يحيى العبدالله، يسعدني أن أبشرك أن فيلمك الآن هو توثيق – لربما كان
دقيقاً- لمرحلة ما، ولكنه لا يصح اليوم، فمرحى لنا جميعاً.
شو القصة؟! أقامت مجموعة انكتاب للقراءة
المجتمعية، التي نشأت على فيسبوك كنادي قراءة افتراضي انتقلت جلساته ونقاشاته إلى الأرض
بواقع جلستين شهرياً، أقامت معرضاً للكتاب المستعمل يوم الأربعاء 6/6/2012 على
دوار باريس في جبل اللويبدة، كانت الفكرة هي تعزيز التشاركية بين محبي القراءة وإتاحة
الوصول للكتب للجميع وبسعر زهيد، وهي فكرة يتبناها انكتاب منذ تأسيسه، إذا إن
القراءة والنقد لا يجب أن تكون حكراً على طبقة اجتماعية أو ثقافية معيّنة،
وبالتأكيد، فإن نظرة انكتاب وأعضائه لمفهوم نشر الثقافة والتشاركية هي أن لا تكون حكراً
على نخبة ما.
طلب انكتاب من الناس أن يجمعوا كتبهم التي
يودّون إشراكها في المعرض، على أن يكون السقف الأعلى للكتاب هو دينارين فقط، وصل
عدد الكتب حتى يومين قبل الموعد 2700 كتاب، باللغتين العربية والإنجليزية بشكل
رئيسي بالإضافة إلى العديد من الكتب بلغات أخرى. توقّع المنظمون أن تكفي الكتب
المعرض من الساعة الرابعة وحتى التاسعة مساءً، وهو الموعد المعلن عنه، إلاّ أن
المفاجأة كانت عندما بدأ الناس بالتجمهر والتجمّع منذ الساعة الواحدة والنصف،
ينتظرون تحت أشعة الشمس ليكونوا أوّل الواصلين ليضعوا أيديهم على كتبهم المفضلة،
وعندما دقّت الساعة الرابعة، اجتاح دوار باريس مئات المتحمّسين، من شتى الأعمار
والفئات والتوجهات، وقد قدّر عدد المشاركين في المعرض بأكثر من ألفي شخص على مدار
بضع ساعات، فالمعرض لم يستمر للساعة التاسعة، لأن واقع الحال وضع المنظمين أمام
حقيقة أن 80% من الكتب قد نفدت في غضون ربع – نصف ساعة، وهناك من اشتكى من وصوله
متأخراً في الساعة الرابعة وخمسة دقائق!
بعد نفاد أول مجموعة من الكتب، انتظر المئات
أمام الطاولات الفارغة أن يحين موعد "الوجبة الجديدة" من الكتب في
الخامسة والنصف، وقفوا لساعة من الزمن في أماكنهم رافضين التخلي عن مواقعهم
الاستراتيجية حتى جاءت الكتب الجديدة، التي نفدت بلمح البصر أيضاً.
نحن شعب لا يقرأ وكلنا نعرف ذلك، أو كنّا،
فالذي رأيته البارحة غيّر وجهة نظري تجاه الموضوع 180 درجة، لا أدري ما الذي تغيّر! الجو السياسي؟ توفر الكتب بسعر زهيد وفي مكان عام؟! لا أدري.. لكن أي شخص عرّج على
المعرض لخمس دقائق وشاهد الكبار والصغار والـ "حجّات" والـ
"ختياريّة" والمراهقين وعيونهم النهمة لإيجاد عنوان يشبع حبهم للقراءة
سيوافقني الرأي.
بقي أن أقول أن كل ما يتعلّق بالمعرض كان
جهداً تطوعياً بحتاً، من التنظيم، لجمع الكتب وفرزها وتصنيفها وتسعيرها، إلى
طاولات العرض والملصقات والمواد الدعائية، إلى المتطوعين الذين وقفوا ساعات في
الشمس لينظموا عملية البيع، إلى الماء والشاي والقهوة والعصير، كلها كانت تطوعية
بحتة بدافع واحد هو الإيمان المطلق بأهمية القراءة والمشاركة في المجتمع. هذا
بالإضافة إلى دعم المركز الثقافي العربي – الأستاذ جمال ناجي الذي يفتح ذراعيه
دائماً لانكتاب واجتماعاتهم للقراءة التفاعلية، الذي احتضن الكتب التي وصلت لحين
عرضها، وفريق شركة أصداء للعلاقات العامة التي دعمت المعرض إعلامياً بكتابة وتوزيع
بيان صحفي بالعربية والإنجليزية على وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية المختلفة
مجاناً وتشجيعاً منهم للفكرة، فشكراً لكل من ساهم، وشكراً لكل من دعم، وشكراً لكل من تطوّع وشكراً لكل من حضر، وعلى أمل أن يتكرر المعرض خلال بضعة أشهر في عمّان وخارجها، نراكم.
http://naserz.blogspot.com