أولاً، أنا مش ناقد سينمائي، أنا "بحب
السيما" والسلام.
ثانياً: العتب على قد المحبة، ولو
إني وجدت هذا العتاب من قبل أهله والجماعة والمتخصصين به كان قعدت وسكتت، المشكلة أن
الصحافة لسبب ما احترفت فن المديح المستمر والمنقطع النظير، تماماً كما في ما كتب
عن فيلم نصري حجاج الذي تناول فيه درويش! نفسي ومنى عيني أن أقرأ نقداً مثمراً لمسرحية أو فيلم محلّي،
ولو لمرة واحدة.
فيلم الجمعة الأخيرة سمعت عنه
الكثير، وفرحت كغيري من محبي السينما بأنباء حصده لعدة جوائز، وقد تعذر علي حضور
الفيلم في أكثر من عرض سابقاً، ولكن جاء الوقت المناسب من خلال عرضه كأول الأفلام
العربية في مهرجان الأفلام الفرنسية Franco Arab Film Festival.
خيبة أملي التي لمستها عند الكثير
من الحاضرين تتلخص في عدة محاور سأحاول ذكرها بما تسعفني به ذاكرتي، وإن جاءت
الأفكار مبعثرة فأعتذر سلفاً.
·
القصة
أليست
الأفلام هي مرآة لمجتعاتها التي خرجت منها، وهي أداة تعريف وتوثيق لطباع وعادات
البشر؟ أليس هذا على الأقل جانب تغطيه الأفلام؟ إذن فما تبرير وجود العديد من
التناقضات التي إن أخذت كل منها على حدة فهي ليست بالأمر الجلل، لكن أضفها إلى
بعضها البعض وستجد نمطاً متكرراً من عدم الاكتراث للتفاصيل واستهانة بذائقة
المشاهد، وأنا أؤمن أن الجمال بشكل عام يكمن في التفاصيل، فمثلاً:
-
سَل أياً من سكان المملكة الأردنيّة الهاشمية عن الجهة
التي يركبون منها التكسي. 99.99% سيقولون من الباب الخلفي الأيمن، سؤال: ما هو
تفسير صعود الفتاة من الباب الأيسر للتكسي؟! لماذا يجب أن أفكر في هذا التفصيل وفيما
إذا كان له أي دلالة على الإطلاق وأنا أشاهد الفيلم؟
-
سل أياً من سكان المملكة الأردنيّة الهاشميّة وهو يقف في
مدخل "عمارته" أين يسكن، 99.99% سيجيبون بأن يقولوا (الطابق كذا) أو
(الطابق كذا)، لا أعلم إن انتشرت مؤخراً ظاهرة أن يتم تعريف البيوت برقم الشقة
فمثلاً تقول (أسكن الشقة 7) كما حصل في الفيلم، وإن كان في هذه الملاحظة مجال
للنقاش، فأضف إليها أن العمارة التي حصل فيها هذا السؤال كانت عمارة في حي شعبي،
وكان الجار فيها يسأل جارته (التي يسرق منها الكهرباء) والتي كانت بالمناسبة تتفقد
عدادات الكهرباء وهي تلبس (روب). سؤالي بسيط، ما هي احتمالية أن تنزل فتاة تلبس
روب لتتفقد عداد الكهرباء في عمارة متواضعة في حي شعبي ويأتي جار لا يعرف جارته
ويسألها في أي شقة تسكنين وتجيبه (شقة رقم 7)؟ لربما كان هذا السيناريو وارداً في
الأحياء الشعبية المصرية أو التونسية أو أي بلد آخر، لكن في الأردن؟
-
سل أياً من سكان المملكة الأردنيّة الهاشمية، في حال
قطعت الكهرباء في منزلك، هل تذهب لجارك لتطلب منه أن تشحن هاتفك الخلوي عنده؟ أضف
إلى المعادلة عزيزي المشاهد، أنها فتاة، أضف إلى ذلك أيضاً أنها "لابسة
ومتلبسة"...مختصر مفيد.. فش حدا بقعد بدار أبوه هيك، وفيما كان من المفترض أن
أفترض أنها "لابسة ومتلبسة" لأنها خارجة فإذاً لا داعي لأن تمر ببيت
الجيران لتشحن موبايلها عندهم، وفي حال كانت راجعة من طلعة، فالعرف الاجتماعي يقضي
بأن الجيران لا يطلبون طلبات من هذا النوع في هذا الوقت المتأخر.
-
سل أياً من لاعبي طاولة النرد في المملكة، هل يعقل أن
ترمي النرد فتأتي الأرقام لتحرك أول حجر، ثم تحرك ثاني حجر من أول خانة في أقصى
اليمين إلى آخر خانة في أقصى اليسار؟! هل علمياً ومنطقياً وشوارعياً معقولة؟! أدرك
أن هذا تمثيل ولا ينبغي أن يكون واقعياً 100%، ولكن أليس دور المخرج الذي من
المفترض أن ينوب عن العامل والعاطل والمحامي والميكانيكي والطفل ولاعب النرد وكل
شخصيات أفلامه ممثلاً عنهم وحافظاً لتفاصيلهم الصغيرة التي تمنحهم هاويتهم المميزة،
أليس دوره أن يلتفت إلى مثل هذه التفاصيل؟
-
سل أي إنسان طبيعي، ما هي ردة فعلك إذا كنت تمشي مع
والدك وشعرت أنه سيقع أو أنّه متألّم:
أ)
تركض نحوه أو تحاول أن تسنده وتسأله السؤال البديهي
(مالك إشي؟) (شو في؟) الخ
ب)
تتصل بـ 911 على طريقة الأفلام الأجنبية
جـ)
تقف وتتسمر في مكانك كأن شيئاً لم يكن، وتنتظره ليجلس، ثم تجلس بعيداً عنه
الجواب
في فيلم الجمعة الأخيرة هو جـ ! إذن تم التنازل عن ردة الفعل الطبيعية مقابل
"صورة" أراد المخرج أن يأخذها للشخصيتان على طرفي الدرج، مستاهلة؟!
-
عزيزتي الفتاة، هل تلبسين فساتين سهرة عادة وأنت في
المنزل؟ إذا كان الجواب نعم، يرجى الانتقال للسؤال الثاني، إذا كان الجواب لا،
فأنت غير مؤهلة للظهور في فيلم الجمعة الأخيرة
-
إذا كانت إجابتك للسؤال السابق نعم، فهل تتركين هاتفك
الخلوي داخل حقيبة يدك الصغيرة أيضاً؟ نعم؟ مبروك بتربحي معنا.!! بتربحي معنا وسام
الممثلة الأردنية التي تأبى أن تظهر في أي لقطة بدون مكياج ولبس "أوفر"،
وهو الوسام الأكثر انتشاراً في مسلسلاتنا وأفلامنا، مع الأسف.
-
في الفيلم، الأب منفصل عن الأم، الولد يعيش مع الأب،
الولد يهرب من منزل أبيه وينتقل للعيش مع والدته في منزلها الفخم (منزل زوجها
الجديد)، يأتي الأب ليتحدث مع الأم عن مستقبل الولد، هل يعقل أن تكون من أولى
النقاط التي تناقشها الأم: "(اسم الولد) بدو كلب على عيد ميلادو.. حابب
تشارك؟!" ... لا تعليق!!
-
هل يوجد أي أردني فقير أو غني يذهب إلى مستشفى، وتأتي
ممرضة لتأخذ فحص دمه (مشهد كامل طويل لم يضف للقصة أي شيء، بس ما علينا) فتنهي
الممرضة عملها والمريض "يبحلق بها مشدوهاً" - مع العلم أنه سافر وعمل في
الخارج، يعني شاف بني آدمين- المهم، فتنهي الممرضة عملها وتسجل ملاحظاتها وتذهب
دون أن يتم تبادل أي كلمة بين المريض والممرضة؟! يعني أصغر التفاصيل الحياتية
والعادات البسيطة تم تجنبها أو سقطت سهواً لسبب لا أستطيع أن أصل إليه.
الآن، أتفهم أن الفيلم يحاول تسليط
الضوء على مشاكل اجتماعية متعددة، ولكن لن أقبل كمشاهد أن يتم سلقها سلقاً لمجرد ذكر
أكبر عدد منها، ثم إن السرد الغير مباشر الذي استخدمه المخرج (كمقتطفات الأخبار
التي كنا نسمعها عن طريق تلفاز الجيران أو الدكان) كانت كثيرة، وفي أغلب الأوقات
لم يكن لها أي ارتباط بشخصيات الفيلم أو قراراتهم أو مشاكلهم، عدا المشهد الذي
يسرق فيه بطل الفيلم الكهرباء من جيرانه فيما تسرد مذيعة قناة الجزيرة الرياضية
خبر تشويش افتتاح كأس العالم من داخل الأردن، لربما كان في التناقض بين مأساته
الشخصية ومأساة العالم (التشويش على بث حفل الافتتاح) شيء من سخرية، ولكن فيما عدا
هذا المشهد لم أنجح بربط المروِي بالحاصل بتاتاً. أمّا بالنسبة لبعض
"الفريمات" وإيقاع الفيلم البطيء في بعض الأحيان، فلم أستطع أن أمنع
نفسي –وأنا أشاهد الفيلم!- من أن أقارن بينها وبين لقطات وإيقاع معظم أفلام إيليا
سليمان، وفي كل مناظرة بين مشهدين تغلّبت مشاهد إيليا سليمان من ناحية غنى المحتوى
(كصورة)، والدلالات الواضحة أو المبطنة
ذات العلاقة بالقصة أو الشخصية.
نقطة أخيرة، بداية ونهاية الفيلم
تدور أحداثهما داخل مقبرة، سألوم نفسي على عدم فهم المدلول من ورائها، لكن يراودني
هنا حوار من مسرحية شاهدتها مؤخراً مقتبسة عن نص "كارول تشرتشل" يتحدث
فيه صانع قبعات إلى زميلته الجديدة في العمل: أنا عملت طاقية تجريدية مؤخراً، كتير
حبيتها، بس ما حدا فهمها، فانبسطت كتير.
عزيزي صانع الأفلام الأردني، قسماً
إنا بنحبك وبنحترم جهدك، بس بدك تحترم عقلنا كمان.
http://naserz.blogspot.com