صديقي حامد أبو شندي، لديه الكثير ليحكيه... طلبت منه البدء في التدوين دون جدوى حتى مللت...
اليوم أنشر آخر ما شاركه على فيسبوك دون علمه أو إذن مسبق.. خاوة ناوة بقلاوة
أمّي وجنّة الله على الأرض
علّه يكون أغلى العنواين و أجملها, فهو يحمل إسم أغلى شخص الى قلبي و إسم أرض عُرفت بجمالها الأخاذ على مر العصور... بدأت فكرة هذا المقال تتشكل حينما أخبرتني أمي بأنها مسافرة الأراضي الفلسطينة... اتمنى لو باستطاعتي تسميتها فلسطين "حاف", هي كذلك بالقلب, و لكن في الواقع كلمة "الأراضي" تساعدنا على تجنب التلفظ بكلمات أخرى, ففي الإمكان أن تصل عند البعض الوقاحة و الولاء للتطبيع الى تسميتها ب"إسرائيل"...
ودّعت أمي صباح الأربعاء, قبّلتها و طلبت منها أن تدعو لي بالتوفيق... فدعائها يمثل جزءاً من قوتي اليومي و غيابه يجعلني أحس بنقص و فراغ... في طريقي الى باب المنزل قلت لها: " إنبسطي يمّه و ديري بالك على حالك, و إحكينا أوّل ما توصلي"... رحلتها ليست ببعيدة, فوجهتها الأولى هي عكّا. عكّا الفلسطينية التي لا تبعد عن عمّان سوى مئة و خمسة و ثلاثون كيلو متراً... أي أنها أقرب الى عمّان من الكرك !!! ولكن يحولها الإحتلال الى مدينة موجودة في أقاصي الكرة الأرضية !
لم يكن ذلك اليوم كسائر الأيام... فما أن غادرت الباب اغرورقت عيناي بعض الشيء و أحسست بغصة غريبة...لم تكن تلك المرة الاولى التي تسافر فيها أمي... فأنا معتاد على البعد عنها... لكني تأكد ان هذه المرة كانت مختلفة, فسفرها الى فلسطين لأول مرة كان يعني الكثير لها... و عشقي لكلاهما عنى أن إجتماعهما يشكّل خليطاً من الأحاسيس لم أشعر به من قبل...
ركبت سيارتي و لم أجد سوى مظفر النواب ليواسيني... قد يظن البعض أن مارسيل هو الإختيار الأنسب حينها, لكن لمظفر و أبياته تأثير خاص على حامد... كانت الالم في عيناي يزداد شدة كلما قال " ما أحست به غير زيتونة ألف قلب لها على كل غصن في الجليل" كأنما هذه الزيتونة هي أمي و أنا قد هممت في طائرتي الشراعية بغية الوصول اليها (فخراً بك يا خالد اكر)... شعور أكثر من غريب و ألم العينين كان بوادر دمعة ! مضى اليوم و أنهيت عملي لاعود الى المنزل... جلست أنا و أختي في غرفة الجلوس, سألتها عن أمي و عن اخبارها... قالت لي: لما لا تتصل بها... فلم أعطي وقتاً حتى للتفكير بما قالت و سرعان ما اتصلنا بها... ردّت علي بصوتها الدافئ المعتاد, لكنه هذه المرة ازداد دفئاً و توشح ببعض من نسيم البحر و بخور إحدى الكنائس... كيفك يا إمي ؟... منيحة تمام يا حبيبي... وينك يمه هلاْ ؟ بعكا يا حبيبي... ما ان قالت لي موقعها حتى تبعته ب " بتجنن يا حامد, و الله ما بعرف كيف تركوها... و الله بتجنن"... رغم دفئ الكلام الا أنه كان يقطعني نصفين دون رحمة ! ! ! لم أقوى على المتابعة فحاولت إنهاء المكالمة بأسرع ما يمكن و أنا أحدق بالأرض خوفاً من أن أفضح نفسي أمام أختي... ليس شيئاً أخجل منه, لكن إرتباكي حينها لم يسعفني ! تبين لي مجدداً أن هذا الخليط ما بين غربة الأم و غربة المكان هو خليط شبه قاتل... لكنه لا محالة أعاد الى قلبي بعضاً من الأحاسيس التي ظننت أني افتقدها مؤخراً !
لها أكتب التالي...
نبضي يحاكي نبض أمي, و قلب أمي يتنفس هواء فلسطين... فرح ترابها لوطئ قدميك فتلون بالخضرة و الحنّون... و البحر أمواجه ترقص فرحاً تارةً و يصمت تارة أملاً بأن يدفأ بسماع صوتك الحنون... و نسيمها يعبر على جبينكِ مشتاقاً و متوشحاً بكحل تلك العيون... عودي يا عروس اللد قبل أن يغير منك برتقالها فالأرض ما عادت تتعطر به... فعطرها اليوم جاء من دمعة تشذّت عسلا من خدك و إنسكبت على جبينها ... فلسطين أنت المبتغى للروح و المثوى للجسد... و أنت جنّة الله على الأرض... و لكن إعذريني فالجنة الآن تحت أقدام من وصى بها ربّي, الجنّة تحت أقدام أمي...
حامد محمد أبو شندي
14/12/2010