Jul 19, 2012

لما ضحكت موناليزا..وعيّطت نايفة!

اسمحوا لي أن أأجل الحديث عن موناليزا وضحكتها قليلاً وأبدأ بنايفة. نايفة، هي الشخصية المزعجة، الدفشة، اللئيمة، الجبارة في فيلم "لمّا ضحكت موناليزا" للكاتب والمخرج الأردني الشاب فادي ج. حداد، والذي تم عرضه في الهيئة الملكيّة للأفلام... قامت بدور نايفة الممثلة العظيمة نادرة عمران، والتي تستحق بكل جدارة كلمتين تسبق اسمها: الفنانة الكبيرة.

عندما تشاهد فيلماً مثل "Fracture" أو "The Departed" على سبيل المثال، تنسى الفيلم وتنسى الدنيا للحظات وتنبهر وتذوب في أداء أنتوني هوبكنز أو جاك نيكلسون، يصبح الفيلم في كفة، وهؤلاء في كفة، هذه العبقرية المطلقة في الأداء التي تنسيك الجو الحار أو الجار المزعج في قاعة السينما وكل همومك وكل مشاكلك وكل شيء واقعي وتسحبك داخل الشاشة للحظات تنفلت فيها تياراتك العصبية وبصيلات شعرك وتأتمر بأمر هذا الساحر الذي أمامك، لدينا منها نسخة أردنية اسمها نادرة عمران.. فهي تُضحكك وتصعقك بردة فعلها الـ "لا إراديّة" في أصعب أماكن الوجه تحكماً بالعضلات (نصف سانتيمتر خلف العين) عندما ترتجف فجأة كاشفة عمّا في داخل شخصيتها من عنصرية مثلاً.. وتبكيك معها عند انكسارها وسقوطها الحر من برج غطرستها العالي إلى أرض الواقع الذي مهما تعالينا عليه يصفعنا في وجهنا متى يشاء. كل ما فيها؛ كلامها وبكاؤها ونحيبها ومشيتها وشعرها الأشعث وملابسها الفظّة.. كل تفصيل لم تتنازل عنه هذه القديرة في مقابل أن تبدوا بصورة "أجمل" أو "أنعم" أو أي كان السبب الذي يدفع الكثير من الممثلات ليضعوا صورتهم "الشخصية" قبل مصلحة "الشخصية"، أقول، كل تفصيل صغير لم تتنازل عنه يجعل هذا الفيلم جديراً بالمشاهدة لمجرد الاستمتاع بنادرة عمران. ولكن، ليس هذا السبب الوحيد.

أصدقكم القول، كنت أنتظر بداية العرض وقلبي يخفق بشدة، أخاف أن يكون فيلماً أردنياً آخر دون ما نشتهي، أخاف أن يذهب الحب الكثير الذي صُنع به هذا الفيلم هباء الرياح، وقبل أن أفكر في خوفي الثالث، ابتدأ العرض ونسيت خوفي، فالإنتاج الحرفي –ببيّن عوجّهه- من أوّل لقطة، والإخراج البعيد عن الكليشيهات والتكرار لا يحتاج للكثير من الوقت ليصل المشاهد.. وأجد في نفسي صعوبة لأسيطر على أصابعي فلا أفشي من الفيلم الكثير، مما أحبت وما لم أحبب، ولكن برؤوس أقلام وبدون حرق أفلام... قصة الحب (الهلامية) في الفيلم، هي كأي قصة حب.. هلامية، لا أجد تعبيراً أنسب (سامحونا)، ولكن! كل شيء آخر في الفيلم يجعلك تتعايش مع هذه الرومانسية الحالمة وتستمتع بفيلم ذو مستوى عال جداً جداً جداً على صعيدي الإنتاج والإخراج، يخرجك من حالة "..أنا قاعد بحضر فيلم أردني.." إلى حالة "أنا قاعد بحضر فيلم، أردني."، وهذا بالنسبة لي أهم بكثير من قدر إعجابي (الضئيل) بالأفلام الرومانسية، العربية منها أو غيرها، فقد نجح فادي ج. حداد بإظهار عمّان بكثير من الصدق والواقعية والسوداوية المضحكة، دون أن "يمسّخها" وبدون "فلسفة"، فعندما تشاهد الفيلم، ستضحك على نفسك، وجارك، وجارتك، وصديقك، ووالدك والموظف العام وراكب الباص وكل الشخصيات التي تعرفها جيداً في حياتك اليومية، وستتفهم الأخت الكبيرة والوالد "النكد" والجارة "اللتاتة"، لماذا؟ لأنهم ظهروا بالفيلم كما يظهروا كل يوم في حياتنا، بالقدر الكافي.

أشكر صانعي الفيلم، وتحديداً فادي، لكتابة أدوار صادقة، وبالأخص، لإعطاء ممثلتين كبيرتين مثل نادرة عمران وهيفاء الآغا أدواراً معقدة يستطعن من خلالها إظهار معدنهنّ المبدع، بعيداً عن ما تعوّدنا أن نراه من إنتاجنا الأردني. بالنسبة لي، ما أظهرتاه على الشاشة هو تكريم لموهبتيهما، تفوق بكثير التكريمات الرسمية الشكلية.

أشكر صانعي الفيلم، وتحديداً المنتجة والمنتجة المنفذة ومسؤول اختيار الممثلين، لإنهم أعطوا كل دور حقه، وخصوصاً الممثلين الإضافيين في الفيلم، فكم سعدت عندما راهنت نفسي أن إحدى الجارات التي تقول جملة واحدة بالفيلم فقط هي من سكان الحي الأصليين، وأن صنّاع الفيلم أقنعوها أن "تطل" من الشباك وتقول هذه الجملة، سعيد جداً بهذا الاهتمام بالتفاصيل، وهذا ينسحب على باقي طاقم العمل! إنجاز يحتسب.

يبقى أن أقول، أن هذا فيلم جدير بالمشاهدة، وسأشتري تذكرة وأعزم أصدقائي لنشاهده عندما يتم عرضه في صالات السينما، بغض النظر عن رأيي في أداء بطلة الفيلم، أو بعض الغموض الذي اكتنف ماضيها أو تحوّلها المفاجئ الذي أزعجني، أو لفظ كلمة Computer بالطريقة الصحيحة وليس "كمبيوتر" كما نسمعها عادة! أو شخصية لم أقتنع بـ"مشكلتها"، فكل هذه ملاحظات شخصية قد يتفق أو يختلف عليها أي اثنين، أمّا الحقيقة التي لن يختلف عليها اثنان، وهذا وعد منّي، أن هذا الفيلم وضع أمام صنّاع السينما الأردنيين مستوى جديداً إذا ما التقاه أو تفوّق عليه الآخرون، فمفهومنا لكلمتي "فن أردني" سيتغيّر إلى الأبد.
http://naserz.blogspot.com