في محاولة
لتغيير مصيره، قرر الحمار - نفس الحمار - أن يغيّر موقفه من الحياة بعد أن ثبّت
صاحبه إبرة المذياع المعلّق حول رقبته – أي الحمار - على أحد البرامج
الإذاعية، وذلك ذات صباح كانا يمارسان فيه رياضة المشي السريع لغايات جمع علب
ألألمنيوم وفعصها لتدويرها لبضع قطع نقود معدنية. تحدّث ضيف البرنامج الإذاعي عن
كتاب حقق مبيعات مهولة حول العالم، مفاده أنه يمكن لأي كان أن يتحكم بمصيره إذا ما
عزم على ذلك، وأن التفكير الإيجابي يؤدي بصاحبه إلى النجاح والتعامل مع المواقف
الصعبة بجدارة، بغض النظر عن ظروفه المحيطة والأشخاص المتحكمين بشكل مباشر أو غير
مباشر بتفاصيل حياته! وقد كان الحمار في تلك اللحظة يقف على مفترق طرق يمتد يميناً
ليصل حاوية قمامة متخمة، ويمتد يساراً ليصل حرشاً صغيراً يحكى أنه مرتع للحمير
يأكلون فيه ويشربون ويتزاوجون في زواياه كما يحلو لهم.
لكزه صاحبه باتجاه الحاوية في نفس الوقت الذي أسهب فيه ضيف البرنامج الإذاعي في الشرح عن كيفية تغيير المصير عن طريق التفكير الإيجابي، تسمّر مكانه وراح يتبع تعليمات ضيف البرنامج، بدأ التفكير الإيجابي بأن اقتنع أنّه أصبح إنساناً، له كرامته واحترامه، دبّت قشعريرة في جسده امتدت من مقدمة أنفه حتى خرجت من جسده عن طريق ذيله الذي اشرأب! أحس فجأة بأنه يرتفع ليقف على قدمين اثنتين، وأن ظهره اشتد وعوده انتصب إلى أن أصبح أطول من صاحبه، وهيّء له أن حافراه الأماميان تحوّلا حذوتي حصان أصيل! عندها، أخذت السيارات المارّة تخفف من سرعتها عند المرور به، بعض راكبيها يصوّره بموبايله وبعضهم الآخر يضرب له التحية ويمضي، وهو ما فتئ يوزّع الابتسامات بشيء من الخجل والإنبساط إلى أن بانت أسنانه ناصعةً تلمع تحت شمس الصباح الدافئة، حتى أنّه ومن شدة اعتزازه بنفسه وسروره تجرّأ ولفّ قائمته الأماميّة اليسرى حول كتف صاحبه المتيبسة من هول ما يرى، وقرّب رأسه منه لالتقاط صورة تذكارية يعلّقها في حظيرته، وقبل أن يومض "فلاش الكاميرا" أحس بلكزة في مؤخرته وصوت يأمره بأن "حييي يا حمار" مرة أخرى! استيقظ الحمار من غفوته، التفت إلى صاحبه ولم يـ"حيي" قيد أنملة، نظر إلى "صاحبه" وصرخ به: أولاً، إنتا مش صاحبي ماشي؟! من إيمتا الصحاب بعاملو بعض بهاي الطريقة؟، أمّا ثانياً: شو يعني "حيي"؟ من وين طلعتولي فيها ؟!!! طب إنتا حيي أشوف؟ ها! هيّك ما اتحرّكت، ليش؟ مالك مبلّم؟ رد علي أشوف!. تجمّد صاحب الحمار في مكانه مذعوراً فيما أُعجب الحمار بنفسه وأعلن في تلك اللحظة الاستقلال أحادي الجانب عن صاحبه وتحرير نفسه من رق عبوديته، وأخذ يتجه نحو جسر للمشاة إلى يساره، قرر الذهاب إلى مرتع الحمير بلا رجعة، مستمداً ثقته من الكلام الذي يسمعه عبر الراديو والذي كان قد بدأت تتصاعد وتيرته وانفعال ملقيه "... ومهما كانت الصعاب!! مهما كانت الصعاب.. فيمكنك عزيزي المستمع التغلّب عليها، يمكنك تغيير مجرى حياتك الآن...".
وجد نفسه أمام درجات جسر المشاة، ألقى نظرة أخيرة على صاحبه المتصنّم وصعد الدرجات بفخر وتؤدة درجة درجة، وصل إلى أعلى السلّم واتجه إلى منتصف الجسر وأخذ ينظر إلى السيارات المارّة من تحته، نظر إلى الأفق فيما تابع المذياع بث سمومه بحماس منقطع النظير: أنت.. أنت فقط من يمكنه أن يهزمك، لا أحد غيرك يمكن أن يثنيك عمّا تريد، اتخذ قراراك الآن، الآن هو بداية ما تبقى لك من عمرك، اتخذ خطوتك الآن.. في هذه اللحظة!. اتكّأ الحمار بمقدمتيه الأماميتين على حافة الجسر وأغمض عينيه والكلمات ترن في رأسه "الآن.. الآن"، سمع صاحبه يهرول نحوه يسب ويشتم ويتوعّد، أحس به يقترب منه، قطع حبل أفكاره، فتح عينيه وجحره جحرة أوقفته في مكانه مرتعداً، ثبّت الحمار عينيه إلى أمام مرّة أخرى، ضغط على قدميه الخلفيتين، أخذ نفساً عميقاً حبس فيه ضعفي حجمه من الهواء في صدره، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.. ثم قفز.. وحلّق بعيداً.
لكزه صاحبه باتجاه الحاوية في نفس الوقت الذي أسهب فيه ضيف البرنامج الإذاعي في الشرح عن كيفية تغيير المصير عن طريق التفكير الإيجابي، تسمّر مكانه وراح يتبع تعليمات ضيف البرنامج، بدأ التفكير الإيجابي بأن اقتنع أنّه أصبح إنساناً، له كرامته واحترامه، دبّت قشعريرة في جسده امتدت من مقدمة أنفه حتى خرجت من جسده عن طريق ذيله الذي اشرأب! أحس فجأة بأنه يرتفع ليقف على قدمين اثنتين، وأن ظهره اشتد وعوده انتصب إلى أن أصبح أطول من صاحبه، وهيّء له أن حافراه الأماميان تحوّلا حذوتي حصان أصيل! عندها، أخذت السيارات المارّة تخفف من سرعتها عند المرور به، بعض راكبيها يصوّره بموبايله وبعضهم الآخر يضرب له التحية ويمضي، وهو ما فتئ يوزّع الابتسامات بشيء من الخجل والإنبساط إلى أن بانت أسنانه ناصعةً تلمع تحت شمس الصباح الدافئة، حتى أنّه ومن شدة اعتزازه بنفسه وسروره تجرّأ ولفّ قائمته الأماميّة اليسرى حول كتف صاحبه المتيبسة من هول ما يرى، وقرّب رأسه منه لالتقاط صورة تذكارية يعلّقها في حظيرته، وقبل أن يومض "فلاش الكاميرا" أحس بلكزة في مؤخرته وصوت يأمره بأن "حييي يا حمار" مرة أخرى! استيقظ الحمار من غفوته، التفت إلى صاحبه ولم يـ"حيي" قيد أنملة، نظر إلى "صاحبه" وصرخ به: أولاً، إنتا مش صاحبي ماشي؟! من إيمتا الصحاب بعاملو بعض بهاي الطريقة؟، أمّا ثانياً: شو يعني "حيي"؟ من وين طلعتولي فيها ؟!!! طب إنتا حيي أشوف؟ ها! هيّك ما اتحرّكت، ليش؟ مالك مبلّم؟ رد علي أشوف!. تجمّد صاحب الحمار في مكانه مذعوراً فيما أُعجب الحمار بنفسه وأعلن في تلك اللحظة الاستقلال أحادي الجانب عن صاحبه وتحرير نفسه من رق عبوديته، وأخذ يتجه نحو جسر للمشاة إلى يساره، قرر الذهاب إلى مرتع الحمير بلا رجعة، مستمداً ثقته من الكلام الذي يسمعه عبر الراديو والذي كان قد بدأت تتصاعد وتيرته وانفعال ملقيه "... ومهما كانت الصعاب!! مهما كانت الصعاب.. فيمكنك عزيزي المستمع التغلّب عليها، يمكنك تغيير مجرى حياتك الآن...".
وجد نفسه أمام درجات جسر المشاة، ألقى نظرة أخيرة على صاحبه المتصنّم وصعد الدرجات بفخر وتؤدة درجة درجة، وصل إلى أعلى السلّم واتجه إلى منتصف الجسر وأخذ ينظر إلى السيارات المارّة من تحته، نظر إلى الأفق فيما تابع المذياع بث سمومه بحماس منقطع النظير: أنت.. أنت فقط من يمكنه أن يهزمك، لا أحد غيرك يمكن أن يثنيك عمّا تريد، اتخذ قراراك الآن، الآن هو بداية ما تبقى لك من عمرك، اتخذ خطوتك الآن.. في هذه اللحظة!. اتكّأ الحمار بمقدمتيه الأماميتين على حافة الجسر وأغمض عينيه والكلمات ترن في رأسه "الآن.. الآن"، سمع صاحبه يهرول نحوه يسب ويشتم ويتوعّد، أحس به يقترب منه، قطع حبل أفكاره، فتح عينيه وجحره جحرة أوقفته في مكانه مرتعداً، ثبّت الحمار عينيه إلى أمام مرّة أخرى، ضغط على قدميه الخلفيتين، أخذ نفساً عميقاً حبس فيه ضعفي حجمه من الهواء في صدره، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.. ثم قفز.. وحلّق بعيداً.