أمقت في كل كتاب صفحة واحدة ، دائما ، آخر صفحة في كل كتاب ،تلك الفارغة التي لا داعي لها ،التي تخدعك و أنت تسابق نفسك عندما تبدأ الصفحات تقل حجما في يدك اليسرى لتعرف ما سيحصل بعد ، أو لتستزيد من البئر التي بين يديك ، تقلب آخر صفحة مطبوعة و تتفاجأ بها تحملق بك ببلادة : لا شيء عندي ، ها ها ها ! هكذا أتخيلها ستقول لو استطاعت نطقا !
ليلة البارحة تناولت كتاب "البئر الأولى" لجبرا ابراهيم جبرا لأقرأ فيه عشر دقائق قبل النوم ، الطريقة التي أعمد إليها عندما لا يتسع يومي للجلوس و القراءة -على أساس يعني إني مشغول و فش عندي نص ساعة فاضية ! حكي فاضي هي مجرد إهمال- قلت أقرأ المقدمة و الفصل الأول و كفاها ... إنّي أعرف أسكّر هالكتاب ؟ ظللت أقرأ فيه حتى الصفحة البليدة ،و كالعادة لعنت و شتمت -لكن بصوت منخفض هذه المرة كوني لا أعيش لوحدي الآن- . يروي جبرا ابراهيم في "البئر الأولى" عن سنوات حياته الإثني عشر الأولى التي قضاها بين مدينتي بيت لحم (أول تسع سنوات) و القدس من بعدها . أسلوب الكتابة يأسرك،ولا أكاد أذكر آخر كتاب لم أستطع تركه حتى إكماله ، والذي شدني لمتابعة القراءة في جلسة واحدة هو تلك النافذة التي فتحها ابراهيم جبرا على عالم لا علم لي عنه إلا القليل القليل ، حياة الناس في فلسطين في عشرينيّات القرن الماضي،والأكثر من ذلك ،حياة المسيحيّين هناك التي قلّ ما وجدت ذكرا لها بشكل متخصص فيما قرأت للآن .
الشعور الذي راودني و أنا أتنقل بين صفحة و أخرى هو : أي والله كلنا زي بعض ! لأنّي بقيت أبحث عن قصة أو ما يدلل على وجود اختلاف جذري بين سكان المدينة المسيحيين (الأغلبية في ذلك الوقت) و سكانها المسلمين فلم أجد ...طيّب ،قلت : لربما سيدللّ على عدم وجود اختلاف على الإطلاق ،ولكنّه لم يفعل ،ثم خطر ببالي المثل القائل : اللي عراسو بطحة بحسس عليها !!! نحن نعيش في مرحلة نركّز فيها على نقاط الإختلاف أكثر من نقاط الإلتقاء،بل أن نقاط الإختلاف هي التي تحدد علاقتنا مع غيرنا ، أنت مسيحي و أنا مسلم ،أنت أردني و أنا فلسطيني ، أنت حضري و أنا فلاح،أنا فلاح و أنت بدوي ...أمّا فيما رواه جبرا عن سنين حياته الأولى فلم أجد إلاّ التناغم و التشابه ، في المأكل ،في الملبس،في المسكن،و في الأرجل العارية للأطفال، تخيّلت ما تخيلت عن الأديرة و الكنائسو عن طقوس الصلاة...في الروح -بدت لي- كما الجو في أي مسجد،خشوع،و أدب و صلاة! و خطر لي؛ لماذا لا أعرف شيئا عن تفاصيل الكنيسة من الداخل و صلاتها وتراتيلها و "شمامستها" (اللي لسا مش فاهم 100% شو بعملو) !
شدّني أيضا مكانة العلم و التعلم ، الأمر الذي نأخذه كحق مكتسب ،و نشكو منه و من أساليبه و من قوانينه ،و كثيرا ما كرهنا الذهاب إلى المدرسة أصلا ،و حتى أمثالي ؛من كانوا يحبّون الذهاب للمدرسة بل و باكرا جدا (حتى أن أمّي لحقت بي في يوم من الأيام لترى أين يذهب ابنها في السادسة إلا ربع صباحا!) حتى أمثالي لا أعتقد أنّنا قدّرنا المدرسة و الدراسة كما فعلوا حينها، أعني الشغف بالدراسة و التعلّم ! حتى مع القوانين الصارمة ،والأساتذة الغاضبين أحيانا ،والعقاب بالضرب على الأيادي ،و حلق الشعر الخ... لا يبدوا أن شيئا من ذلك حطّ من حماسة الطلاب للتعلم - أو جبرا و من كانوا على شاكلته على الأقل،و عائلاتهم المدقعة الفقر - ، حسدت جبرا لأنّه التقى بخليل السكاكيني (الذي كان موجها آن ذاك) ، حسدته على أمور كثيرة ، بدت لي الحياة أبسط و أقل تعقيدا حينها ،على صعوبتها و مشقتها !
لربما أيضا ولعت بالكتاب بهذا الشكل لسبب إضافي ، هو أنّني مررت ببيت لحم مرور الكرام قبل عدة أعوام في طريق الرجعة إلى الأردن حيث استصدرت تصريح الخروج من هناك ، لم أشبع يومها من بيت لحم ، ساحرة شوارع المدينة القديمة تلك ،الجدران المكونة من أحجار ضخمة ضاربة في القدم ، الطرق المرصوفة بالحجارة ،لكأنّها تتحدث إليك -أقسم- ، و في نهاية الشارع الضيق كنيسة المهد وساحتها الكبيرة الجميلة التي كانت ما تزال مزركشة ببقايا زينة عيد الميلاد ،وعلى أطرافها الدكاكين الصغيرة ؛ واحدة تجلس فيه فتاة محجبة و جارتها تلبس الصليب و أمامهما رجل كهل على كرسي منخفض يلبس الكوفية البيضاء (السادة) و لا تعرف أهو والد هذه أم تلك ! لأنّني مررت بها مرور الكرام و لم "أشبع" منها ،و لأن صورتها في خيالي رمزية و ضبابية و ليست حقيقية مئة بالمئة ، ربما لهذا السبب هيّء لي أنّني استطعت أن أتخيلها تماما كما كانت ! و في زيارتي القادمة لا بد أن أزور الأماكن المذكورة في الكتاب .. مدرسة بيت لحم الوطنية ، كنيسة المهد ، الأديرة المختلفة ، قبّة راحيل ... هذا إذا أمكننا الوصول إليها !
8 comments:
اسمحلي ابغظك( مش احسدك) ع اكتر من نعمه
إولها إنه بإمكانك تروح ع هيك اماكن اقل مايقال عنها إنها إمي اللي بحبها
وثانيها,, إنه معك ولو ربع ساعه تمسك كتاب,, وتقرأ فيه
Lolita هذا أول كتاب أقرأه لجبرا ، بالتأكيد لن يكون الأخير ، سأبحث عن صيادون في شارع ضيق عند الأصدقاء.
Um Omar إبغظي زي ما بدك ، أنا بحسد حسد :D
بتمنى بيوم تقدري تزوري فلسطين ، أمّا القراءة هاي ،، جربي 10 دقائق قبل النوم (خدي مني بتزبط) بس جربي و شوفي شو بصير معك :)
أيه,, رح اجرب
بس اعطيني دوا منوم لعموره,, خليني اضبط وقت نومه ع وقت قرائت كتاب مفيد
:k:
وبالنسبه للدعاء
من صفحتك وكي بوردك لباب السمايارب
:shy:
سامع طرطيش حكي عن فلسطين
يا عمي انتو بتتمنو تيجو على فلسطين ةاخنا بنتمنا نطلع من هوون من هالاوضاع
شو رايكو نتبادل الدول
قريت اول صفحتين ع عجل في مكتبة .. وكنت مقررة دايما ارجع اوخده .. فعلا في كثير من تفاصيل الحياة اليومية الفلسطينية .. كانك بتسمع اللهجة كانه من ملامح الناس .. حبيت التدوينة
* البنت الي علقت من حيفا وبتحب كتير الاحجار الي حكيت عنهن :)
دعواتي لك ان تجد دوما متسع من والوقت تتصفح فيه كتاب ..وتبادل الوطن شيئا من العاطفة
@كفاح
شكرا لمرورك وأهلا بك في المدونة.. عذراً أخذت وقت طويل لأرد. بس كان في إشي غلط برسائل التنبيه
@anon شكرا لمرورك اللطيف
Post a Comment